تحرص معظم الجامعات العربية على أن يكون من بين أقسامها العلمية قسماً لتدريس علوم المكتبات والمعلومات ، على أن يتولى هذا القسم تأهيل الكوادر البشرية اللازمة للعمل فى المكتبات ومراكز المعلومات المختلفة الموجودة فى محيط بيئة الجامعة ، وتتباين أقسام المكتبات فيما بينها ولا تتفق سواء فى عدد الطلاب المقبولين سنويا أو فى شروط الالتحاق أو فى اللوائح والمقررات الدراسية المطبقة ، وهذا الاختلاف والتباين يبدو جيدا إن كان هدفه التميز والتخصص في إخراج منتج ونوعية متميزة من أخصائيي المكتبات والمعلومات يواجه الاحتياجات الفعلية لسوق العمل ، ولكن تتشابه أقسام المكتبات والمعلومات على مستوى عالمنا العربي فى عدم وجود خطة محددة لتخريج الأعداد الملائمة من الخريجين اللازمين بالفعل لسوق العمل ، وهى بذلك تتفق مع غيرها من الأقسام العلمية فى كافة التخصصات على مستوى جامعاتنا العربية فى عدم وجود سياسات للقبول بكل قسم وعدم وجود سياسات وأهداف واضحة لمعظم هذه الأقسام مما يؤدى بها إلى تخريج أعداد كبيرة من الخريجين ينضم معظمها فور تخرجها إلى طابور العاطلين عن العمل .
والشئ المثير للدهشة أن مهنة المكتبات دون غيرها مازالت مهنة من لا مهنة له من كافة التخصصات الأخرى غير تخصص المكتبات ، فكثير من الدراسات الاكاديمية التى توفرت على تحليل واقع مكتباتنا العربية من حيث العاملين بها أكدت هذا الأمر ، كما أن بعض الدراسات التى توفرت على رصد وتحليل إعلانات وظائف المكتبات أكدت على أن كثيراً من هذه الإعلانات لم ينص صراحة على أن من شروط تولى هذه الوظيفة أن يكون المتقدم من خريجى تخصص المكتبات والمعلومات ، وإنما ينص على أنه يمكن لأى شخص حاصل على مؤهل عال مناسب أن يتولى هذه الوظيفة ، وهذا الأمر بالتأكيد قد فتح الباب على مصراعيه أن يدخل مهنة المكتبات تخصصات ليس لها علاقة وليس لها دراية بما يدور داخل المكتبات ، كما أن هذا الأمر أوصد الباب فى وجه المتخصصين للعمل داخل المكتبات بل إنه أجبرهم على الانضمام لطابور البطالة القميء ، و بالطبع فإن النتيجة الطبيعية لعمل غير المتخصصين بالمكتبات هو ما نشهده من تدهور لأوضاعها وخاصة فى تلك المكتبات البعيدة عن نظر المسئولين .
وقد لفت نظرى هذا الأمر بشدة أثناء التطرق لدراسة العاملين فى المكتبات موضوع الدراسة أثناء إعدادى لرسالتى الماجستير والدكتوراه ،كذلك أثناء عضويتى لبعض الجان التى تهدف لتطوير وضع بعض المكتبات الجامعية ، مما دفعنى فى العام 2001 للتقدم للمؤتمر القومى الخامس لأخصائى المكتبات والمعلومات في مصر بدراسة مسحية عن أوضاع العاملين في المكتبات المصرية (الأكاديمية والعامة والمتخصصة ) وكان من أبرز نتائجها أن أقسام المكتبات بالجامعات المصرية حتى عام 2000 م قد توفرت على تخريج عدد ( 9848 ) من أخصائيي المكتبات والمعلومات ، لم يعمل منهم داخل المكتبات المصرية موضوع الدراسة سوى عدد ( 1294 ) فقط ، بنسبة مئوية قدرها 13% فقط ، ولو افترضنا جدلا وجود مثل هذه النسبة أيضا في المكتبات التي لم تشملها الدراسة . لأصبح يقينا وجود نسبة بطالة بين خريجى المكتبات بنسبة تربو على 70% من مجموع المتخصصين على مستوى الجمهورية . كما أثبتت الدراسة افتقار نسبة 37% من المكتبات الأكاديمية ، و نسبة 88% من المكتبات العامة ، و نسبة 62% من المكتبات المتخصصة في مصر لوجود العاملين المتخصصين ضمن هيئة العاملين بها مما يعنى أنها تدار بالكامل دون وجود متخصصين بها ، كما أثبتت الدراسة أن نسبة العاملين بمؤهلات متوسطة أعلى نسبة للعاملين إذ بلغت نسبتهم 51% فى المكتبات المصرية موضوع الدراسة ، تليها نسبة العاملين غير المتخصصين بنسبة 33% ، وأخيراً فئة العاملين المتخصصين بنسبة 16% فقط . كما أثبتت الدراسة أن محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية هى أكثر المحافظات توظيفا للمتخصصين بنسبة 73% ، وأثبتت الدراسة أيضا أن هناك كثير من المحافظات لا يوجد بها أكثر من متخصص واحد في جميع مكتباتها المختلفة . وبالطبع فهذه النتائج الصدمة تبين بما لا يدع مجالا للشك سبب وجود بطالة بين المتخصصين فى مجال المكتبات ، كما أنها تبين أيضا أسباب سوء وضع كثير من المكتبات نظرا لإدارتها من قبل غير المتخصصين .
ووفقا للنتائج السابقة أوصى الباحث بعدد من التوصيات أقرت ضمن التوصيات العامة للمؤتمر ، وكان من أبرزها ما يلى : أولا . ضرورة التنسيق بين أقسام المكتبات على مستوى الجمهورية وبين الجمعيات والنقابات المهنية لمناقشة وضع لوائح جديدة شبه موحدة تعاد فيها هيكلة المقررات الدراسية ، وتوصيفها بشكل متكامل بحيث يراعى فيها الاحتياجات الفعلية من المقررات الدراسية من حيث الكم والكيف والمحتوى ، كذلك ضرورة التنسيق بين أقسام المكتبات لوضع سياسات شبه موحدة لقبول الطلاب وتحديد أعدادهم السنوية ، وربط عدد المطلوب من خريجى المكتبات بسوق العمل الفعلية . . . . . ثانيا . تتولى الجمعيات المهنية في مجال المكتبات والمعلومات حماية المهنة من خلال مطالبة الجهات المسئولة بمنع تعيين غير المتخصصين كأمناء للمكتبات ، والاكتفاء بتعيين المتخصصين حتى نصل بأعداد العاملين إلى النسب المعيارية بين المتخصصين وغير المتخصصين في هذه المكتبات ، كذلك مطالبة كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات بضرورة أن تنص في إعلاناتها عن وظائف المكتبات بأن يكون من أهم شروطها أن يكون المتقدم لشغل الوظيفة من خريجى " أقسام المكتبات " وأن تكف هذه المؤسسات عن عبارة " مؤهل عالى مناسب " في إعلاناتها .. . . . . ثالثا .التوسع في برامج الدراسات العليا في مجال المكتبات في كافة أقسام المكتبات على مستوى الجمهورية ، وفتح باب التدريب والدراسات العليا التحويلية أمام فئة العاملين بالمكتبات المصرية بمؤهلات عليا غير تخصص المكتبات دون قيد أو شرط ، وربط الترقى للدرجات الأعلى وظيفيا بشرط الحصول على هذه الدراسات ، وذلك للاستفادة من هذه الطاقات في إعداد متخصصين موضوعيين ، مع ضرورة إعادة تسكينهم وظيفيا في مكتبات مناسبة لتخصصاتهم الموضوعية . . . . . . . .والتساؤل الآن وبعد مرور سبع سنوات على هذه الدراسة . هل تم تطبيق أيا من توصياتها وتوصيات المؤتمر عامة فى هذا الصدد ؟ و هل الفجوة الكبيرة بين العاملين المتخصصين والعاملين غير المتخصصين تم تقليصها ؟ و هل نسبة البطالة بين خريجى المكتبات زادت أم نقصت ؟؟ .......... وهذه التساؤلات لابد من طرحها والإجابة عليها من خلال دراسات متنوعة متعمقة عن وضع العاملين فى المكتبات المختلفة على مستوى عالمنا العربى ، فالوضع الذى تم تشخيصه سابقا ليس وضعا خاصا وإنما من خلال خبراتى العملية المتواضعة أظنه وضعاً عاماً تتفق فيه مكتباتنا العربية ككل إلا من رحم ربى .... ، وفى الختام أتمنى لهذه المهنة أن يتولى أمرها أبناؤها الذين تم إعدادهم وتأهيلهم لتولى هذا الأمر، وكفى عبثا بمكتباتنا العربية.
الثلاثاء، 8 مايو 2007
شبكة الإنترنت وكسالى البحث العلمى
فى أثناء حضورى إحدى المناقشات العلمية لطالب ماجستير ، لاحظت أن لجنة المناقشة قد صبت جام غضبها على الطالب نظرا لاقتصار استشهاداته المرجعية على مواقع الإنترنت فقط دون الرجوع لمصادر أخرى ، ومما زاد الطين بله أن تلك المواقع التى استشهد بها الطالب مواقع عامة غير متخصصة ، وقد فسر الطالب اعتماده على تلك المواقع بأنها موجودة بكثرة على شبكة الإنترنت ،-وحسب اعتقاده أن كل ما ينشر على هذه الشبكة فهو بمثابة المعلومات الموثقة الرزينة والتى لا يأتيها الباطل من بين يديها . . . . . . . . وبالطبع فهذا الطالب وغيره مخطئ فى اعتقاده لأن شبكة الإنترنت حسب تجربة الكثيرين وحسب وصف أحد الكتاب الأمريكيين " ما هى إلا أنبوب ضخم يحمل نفايات العالم بأسره من المعلومات " ، وقد جانب هذا الوصف كثير من المصداقية فشبكة الإنترنت تحمل الغث والثمين ، أما الغث فكثير ويتكاثر يوميا ومتاح بالمجان ، أما الثمين فهو مرسم ومشفر ويحتاج إلى الاشتراك حتى يتاح الولوج له والحصول عليه ، وهذا لا ينفى أن بعض الثمين متاح بالمجان ولكنه يحتاج لعين خبيرة لتقييمه ومعرفة من يقف وراءه و معرفة درجة الموثوقية به .والموقف السابق لطالب الماجستير ليس حالة فردية وإنما هو رأس جبل الجليد المختفى والذى يشكل قاعدته طلاب مرحلة البكالوريوس والليسانس وطلاب الدراسات العليا ، ومما يدعم هذا الرأى أنه أثناء تدريسى لمقرر مبادئ البحث العلمى لطلاب مرحلة الليسانس ومقرر مناهج البحث لطلاب تمهيدى الماجستير على مدار عدة فصول دراسية قمت بشرح خطوات وإجراءات البحث العلمى بدءا من اختيار الموضوع ، ووضع خطة البحث ، وتجميع المعلومات والبيانات من مصادر المعلومات التقليدية والإلكترونية ، واختبار الفرض العلمى ، وكتابة البحث فى صورته النهائية ، وتقديم النتائج . . . الخ ، كنت أستشعر أثناء متابعتى للطلاب من خلال التكليفات الأسبوعية مدى كسلهم فى البحث والتنقيب عن المعلومات ، إلى جانب ضعف لغتهم وعدم قدرتهم على التعبير عن الموضوعات المختارة ، ولجوئهم إلى عملية القص واللصق فقط من خلال ما يجدونه متاحا على شبكة الإنترنت ، فعلى سبيل المثال عندما أطلب منهم إعداد ببلوجرافية معينة ،أو تلخيصا لمقال ،أو التعبير عن فكرة معينة فى موضوع معين ، فإن أكثرهم لا يأتون إلا بما وجدوه على الإنترنت فقط ، وتكرر هذا الأمر فى عدة تكليفات على مدار الفصل الدراسى بشكل مستفز مما دفعنى للتحذير من الاعتماد فقط على الإنترنت كمصدر وحيد للمعلومات وخاصة عند إعداد البحث النهائى والذى تشكل الدرجات المرصودة له ما يقارب نصف درجة المقرر ككل ، ولكن هيهات هيهات فعند تسلم الأبحاث فى نهاية الفصل الدراسى وفحصها ومناقشتها وجدت ما سبق أن حذرت منه ، بل وصل الأمر بالنسبة الأكبر للطلاب إلى القيام فقط بنسخ أحد الأبحاث المتاحة على الشبكة ولم يتعد دوره سوى القيام بعمل صفحة عنوان يكتب عليها بياناته دون التدخل من قريب أو بعيد فى محتويات البحث ، بل إن من تدخل لتعديل البحث وتمويهه بحيث يبدو أنه من فعله فقد ترك آثارا عديدة تدينه أكثر مما تبرئه ........ ومما لاشك فيه أن ما يفعله الطلاب سرقة علمية فجة لا تليق بطالب علم ، إلى جانب أن ذلك يعد نسفا لمحاولات إنشاء جيل جديد من الباحثين الجادين ، وأعتقد أن هذا السلوك المشين للطلاب أصبح ثقافة عامة لدى الكثيرين ، فقد حلت الثقافة الاستهلاكية - لكل ما هو جاهز ومستورد ومن إبداع الغير - محل ثقافة الإبداع و ثقافة التنافس وثقافة الكرامة ........ وبالطبع فإن هذا الأمر لا ينبئ بخير ويحتاج لوقفة عامة على كافة المستويات .... ولنعلم جميعا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
والله من وراء القصد
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)