نشرت مؤخرا الصحف المصرية وبعض الفضائيات العربية إفادات لشهود عيان على ما حدث فى إحدى الحروب العربية الصهيونية ، وكم كانت هذه الشهادات مؤلمة ومريرة وتقطر دما لكل قلب يعى ، إذ أكدت جميعها حجم الإهانة التى لحقت بنا كعرب وكمسلمين من عدو غاشم غبى لايعترف بقوانين ولا باتفاقيات ولا بعهود منذ أيام رسولنا الكريم ، هذا العدو الجبان وغيره من قوى العصر لايعترفون إلا بمنطق واحد فقط ألا وهو منطق القوة والاستعلاء والاعتداء وأخذ حقوق الغير بالقوة . وأكثر ماأزعجنى فى تلك البرامج الفضائية هو غياب الحقيقة وغياب صوت السلطات الحكومية وبالتالى غياب المستندات الرسمية والإحصائيات الدقيقة التى تبين حجم ماتم فى هذه الحرب . وهذه الحقيقة المؤلمة تدعونا للتساؤل - ونحن فى بداية قرن تنهض فيه الأمم المتقدمة بتوثيق كل أمورها سواء الجاد منها أوالهزلى - أين نحن من التوثيق والتدوين لكل أحداثنا ؟ ولنعتبر من عدونا الذى وثق ودون - قليله حق وأغلبه زورا وتلفيقا - كل مايتعلق بما يدعيه من محارق حصلت لأبنائه فى عصور قد خلت ، وهاهو يستثمرها اليوم لرد حقوق أبنائه وابتزاز أعدائه ولرد كرامته إن كان له كرامه . أليس كل هذا أدعى أن نهتم ككمؤسسات حكومية وأفراد على السواء بتوثيق روايات شهود العيان الأحياء بيننا وتجميع الصور والوثائق والمستندات وكل ماله علاقة بهذه الكارثة الكبيرة لعلها تفيدنا يوما ما تنصلح فيه الأمور وينصب فيه ميزان العدل الدولى ، عندئذ تجد الأجيال اللاحقة علينا ماتستند إليه فى تقديم دعاواها وقضاياها ضد أبناء القردة والخنازير، أليس هذا عمل مجدى ممن الممكن الاستفادة منه مستقبلا بدلا من انفاق الوقت والجهد فى المنافسة الكاذبة بين الفضائيات لملئ ساعات الهواء بأشياء ليست ذات جدوى
لقد بدأت الأمم عملية التوثيق منذ مايقرب من خمسة عشر قرنا رغم صعوبات التوثيق فى ذلك الوقت وقلة أدواته ، ولولا هذا الأمر لضاعت علينا كثيرا من المعارف ولضاعت كثيرا من ذاكرة الأمم .
والمتأمل لسلوكيات الأعداء فى كل عصر نجد أنهم أكثر مايركزون عليه هو محمو وطمس هوية وذاكرة الأمم ، فمافعله هولاكو ببغداد والأمريكان بالهنود الحمر وتتار العصر ببغداد مرة أخرى والصهاينة بفلسطين وغيرهم وغيرهم ماهو إلا محو وطمس والاستيلاء على تراث وذاكرة هذه الأمم ، فعلينا الحذر كل الحذر من هذا الأمر وعلينا الاعتناء بعملية التدوين والتسجيل والتوثيق لكل أمور حياتنا ، وذلك فى سبيل إعداد ماض لأبناءنا حتى يكون لهم حاضر فى مستقبلهم